خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 2 من رمضان 1444هـ - الموافق 24 / 3 / 2023م
الصِّيَامُ آدَابٌ وَأَحْكَامٌ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا. )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِهِ الْعِظَامِ، أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِلْقِيَامِ بِحَقِّ عِبَادَتِهِ، وَتَزْكِيَةً لِنُفُوسِهِمْ بِسُلُوكِ طَاعَتِهِ؛ وَقَدْ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ [البقرة:183]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ]فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[ [البقرة:185]. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَرْضِيَّةِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَا يَجْحَدُهَا إِلَّا كَافِرٌ.
وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، بَالِغٍ، عَاقِلٍ، مُقِيمٍ، قَادِرٍ عَلَى الصِّيَامِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجِبُ الصِّيَامُ عَلَى كَافِرٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إِذَا أَطَاقَهُ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ إِذَا تَرَكَهُ؛ لِيَعْتَادَهُ؛ وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ مَعَ النِّيَّةِ، وَالْمَجْنُونُ لَا نِيَّةَ لَهُ؛ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَكَذَا لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرِ سِنٍّ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا يَجِبُ أَيْضًا عَلَى الْمُسَافِرِ أَثْنَاءَ سَفَرِهِ وَيُجْزِئُهُ إِنْ صَامَهُ ؛ لِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: ]فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[ [البقرة:184]، فَلَا يَلْزَمُهُ أَثْنَاءَ السَّفَرِ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا أَفْطَرَهُ فِي سَفَرِهِ.
وَيَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ؛ فَعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ قَالَتْ: (كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكِ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَعَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ: أَنْ يَنْوِيَهُ بِقَلْبِهِ مِنَ اللَّيْلِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ؛ لِمَا رَوَتْهُ حَفْصَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
إِخْوَةَ الإِسْلَامِ:
إِنَّ مِنْ يُسْرِ الْإِسْلَامِ وَسَمَاحَةِ الشَّرِيعَةِ: أَنْ أَبَاحَ اللهُ تَعَالَى لِأَهْلِ الْأَعْذَارِ أَنْ يُفْطِرُوا، وَلَمْ يُلْزِمْهُمْ بِالصَّوْمِ فِي حَالِ الْعُذْرِ؛ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْأَعْذَارِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي الْفِطْرِ وَتَلْزَمُهُمُ الْفِدْيَةُ فَحَسْبُ، وَنَوْعٌ آخَرُ يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي الْفِطْرِ وَيَلْزَمُهُمُ الْقَضَاءُ فَقَطْ.
فَمِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ الَّذِينَ يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي الْفِطْرِ وَتَلْزَمُهُمُ الْفِدْيَةُ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ الْعَاجِزَانِ عَنِ الصَّوْمِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ[ [البقرة:184]. وَكَذَا الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَبَدًا.
وَمِمَّنْ يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي الْفِطْرِ وَيَلْزَمُهُمُ الْقَضَاءُ: الْمَرِيضُ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ، يُفْطِرُ إِنْ عَجَزَ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، ثُمَّ يَقْضِي. وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ: إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَقَطْ أَوْ مَعَ الْوَلَدِ قَضَتَا الصَّوْمَ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ الْخَائِفِ. وَإِنْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى وَلَدَيْهِمَا فَقَطْ قَضَتَا عَدَدَ الْأَيَّامِ وَأَطْعَمَتَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.
وَكَذَا يُرَخَّصُ لِلْمُسَافِرِ، وَمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ لِعَطَشٍ أَوْ جُوعٍ شَدِيدَيْنِ، وَنَحْوِهِ، وَعَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ ]وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[ [النساء:29].
عِبَادَ اللهِ:
وَيُفْسِدُ الصِّيَامَ نَوْعَانِ مِنَ الْمُفْسِدَاتِ: نَوْعٌ يُفْسِدُ الصِّيَامَ وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ؛ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَمْدًا، وَتَعَمُّدِ الْقَيْءِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ [أَيْ: غَلَبَهُ] فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَإِنْزَالُ الْمَنِـيِّ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ- وَلَوْ لَحْظَةً- قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: يُفْطِرُ.
وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ؛ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ].
وَمِنَ الْمُفْسِدَاتِ: الرِّدَّةُ- أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهَا- وَهِيَ الرُّجُوعُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ [المائدة:5].
وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْمُفْسِدَاتِ: مَا يُفْسِدُ الصِّيَامَ وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ، وَهُوَ الْجِمَاعُ، فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ إِذَا كَانَ عَامِدًا مُخْتَارًا؛ لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ، فَأَلْزَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَفَّارَةِ، وَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَمَا هَذِهِ الْعُقُوبَةُ إِلَّا لِعِظَمِ جُرْمِهِ وَانْتِهَاكِهِ حُرْمَةَ هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ الْأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ لِلصِّيَامِ سُنَنًا مُسْتَحَبَّةً، وَآدَابًا ظَاهِرَةً مُرَغَّبَةً، يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعْنَى بِهَا وَيَحْرِصَ عَلَيْهَا، وَمِنْ هَذِهِ السُّنَنِ وَالْآدَابِ: أَنْ يُعَجِّلَ الْإِفْطَارَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ؛ لِمَا رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، وَأَنْ يُفْطِرَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ يُفْطِرُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ].
وَأَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ بِمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ؛ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَمِنَ السُّنَّةِ أَيْضًا: أَنْ يَتَسَحَّرَ وَيُؤَخِّرَهُ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ أَحْمَد شَاكِر].
وَمِنَ الْآدَابِ: أَنْ يَكُفَّ الصَّائِمُ لِسَانَهُ عَنْ فُضُولِ الْكَلَامِ، وَإِنْ شُتِمَ أَوْ لُعِنَ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي صَائِمٌ؛ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ وَيَنْزَجِرَ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
مَعَشَرَ الْمُؤْمِنِينَ:
وَيَنْبَغِي عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَتَجَنَّبَ كُلَّ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ أَوْ قَوْلُهُ، وَعَنْ كُلِّ مَا يَتَنَافَى مَعَ الصَّوْمِ الَّذِي شُرِعَ مِنْ أَجْلِ التَّقْوَى.
وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَجَنُّبُ الْمُحَرَّمَاتِ؛ تُقًى لِرَبِّهِ وَحِفْظًا لِصَوْمِهِ؛ كَالْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْغِشِّ وَالسُّخْرِيَةِ، وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ وَالْآفَاتِ الْمُهْلِكَةِ الْعَلِيلَةِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ [أَيِ: السَّفَاهَةَ مَعَ النَّاسِ]، فلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» [رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ].
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَعَلَى غَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ جَوَارِحِنَا مِنَ الْآثَامِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا الصَّالِحَةَ فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة